Main menu

Pages

حقائق اجتماعية في حياة المعماري

المعماري , ما أكثر الكلام في حقه وما أقل الوصف الذي يستطيع الوصول الي ما هو عليه , المُهندس المعماري هذا الكائن الغريب المنطوي بحثاً عن ابداعاته أحياناً , والباحث في ملكوته المجهول أحياناً أخرى , المسحوق غالباً بحثاً عن فكرة تصميمية هُنا او ظلاً لأخرى هناك , دائم التفكير في كيفَ سأفعل هذا ؟ ومتى سأواصل ذلك , يعيشُ حالة انشغال تام ببنات أفكاره من طليعة ساعات الفجر التي غالبا ما يُعاشرها في كل مراحلها الى انقلاب لون السماء في الأفق استعدادا لانبلاج الليل الذي يُعد خير جليس لهذا الكائن الغريب , الصديق الصدوق لهُ في كل فصول السنة , اذا كان القارئ لهذا المقال معمارياً فانه ومن المؤكد أن سطوري الأولى هذه كافية لانفتاق أوجاعه التصميمية والفكرية والاجتماعية , أما لو كان قارئي ليس معماريا فانه ومن المؤكد أنهُ أصبح متشوقاً لمعرفة المزيد عن الحياة الاجتماعية لهذا الكائن البشري المسمى " معماري " .



سأتكلم بصفتي مُهندس معماري عاشرَ ولا زال يُعاشر كل المراحل الفلكية الغير مُنتهية التي يمر بها المعماري طيلة حياته الدراسية والعمَلية , فان الاطار المُكون لاجتماعية المعماري غالبا ما يكون خليط من هذه المراحل القاسية , نعم لا أبالغ باستخدامي لكلمة " قاسية " هذا ان استطاعت هذه الكلمة ان تعطي الوَصف حقه , فسنوات الدِراسة العجاف التي يعيشها المعماري ما بين حالة رُعب تصميمية هُنا وحالة انهيار أخرى هناك , كفيلة بتحوير وتغيير الحياة الاجتماعية لهُ ونقلها الى فلك يُغرد فيه وحيداً برفقة التائهين الاخرين من زُملاء التخصص , كفيلة بجعل الحياة الاجتماعية لهذا الشخص محصورة ومحصورة جداً في نطاق ضيق بالنسبة للاخرين لكنهُ لا ينتهي بالنسبة له .



قد يتسائل البعض عن صحة المعلومات المذكورة وقساوة المشهد في الكلمات التي سُردت , وقد يستنكر صنف اخر بدعوى أن ما يعيشهُ هو الأصعب , مُهندس الكهرباء أو المبرمج حتى الطبيب , وكُل هذه المسميات العلمية كثيرة التفكير تتشابه معنا نحنُ المعماريين بانشغال العقل وانشغال الفِكر فوق حُدوده وفوق كُل الامكانيات أحياناً , تتشابه معنا بالسهر الطويل والمُستمر لانجاز العمل , تتشابه معنا بكميات الكافيين العالية التي تدخل أجسادنا من أجل انجاز مُخطط معماري واحد من المؤكد انك سوف تُعيده مرة أخرى حين تقوم بعرضه على الدكتور الخاص بك , لكنها من المؤكد انها تختلف معنا من الناحية الاجتماعية , فلو تكلمنا فقط في سنوات الدراسة لن نستطيع ان نجد طالباً يقضي 7 ساعات في محاضرة تعليمية واحدة ! لن تجد منهم من يتواجد في زقاق كُليته منذ الساعة السابعة صباحا كالعسكري القائم بالمُهمة الموكلة اليه على حدود الوطن الى السابعة مساءاً ليشهد اغلاق أبواب الجامعة التي شارفَ صباحاً على افتتاحها , لا يُوجد فيهم من يقضي ثُلثي حياته الجامعية في قاعة " المرسم " التي يصبح المعماري بعد فترة عارفاً لكل ضربات الجدار فيها وحافظاً لكل مقابس الكهرباء التي تعمل والتي لا تَعمل , يعلم جيداً زاوية دخول الشمس وزاوية غُروب الشمس في هذا المرسم الذي يُصبح بيته الاول طيلة سنوات الدراسة ..!




الان دعونا نتحدث بلُغة الأرقام والاحصائيات والدراسات العالمية , فما صدر عن صحيفة " الأميريكان نيوز " الأمريكية خلال دراسة قامت بها على احدى الجامعات الأمريكية الحاضنة ضمن تخصُصاتها لهندسة العمارة أثبتت اختلاف حياة المعاري اجتماعيا عن باقي تخصُصات الجامعة أثبتت ان المعماري هو أكثر شخص يستهلك طاقة يومياً , استهلاك جسدي وعقلي , وأن الحياة الاجتماعية للمعماري محدودة ومقيدة ضمن حدود الفكر التصميمي غالباً , كما وصنفت تخصص هندسة العمارة على انه أصعب من الطب وفق حالات دراسية قامت باجرائها على طلاب من كلا التخصصين ,أثبتت أن الطالب المعماري لا يستطيع الخروج الى نطاق اجتماعي اخر غير المفروض عليه فان كُل ما يحيطه متعلق بتخصصه فالمباني والمراكز التجارية والمشاريع يجدها في كل شارع يسير به بنية التنزه ! هو فعلياً لا يستطيع الخروج من الجو التعليمي الذي يعيشه فكل شيء على هذه الأرض يحاكيه ويُغازل تخصصه .



قد يظُن البعض أن مقالي هذا ساخراً او ممازحاً لزملاء المهنة والتخصص , لكن صدقاً اردت ان أظهر المعاناة الاجتماعية المفروضة علينا قسرا , فالكثير من طلاب العمارة متهمين بالانطوائية وعدم الاجتماعية ولعل هذه الكلمات والأرقام البسيطة بالأعلى تكون سببا في اعطاءك عذراً لأخيك أو صديقك المعماري في كثير من الحالات , ولأن الموقف خير دليل على حصول الشيء بامكانك مراقبة المعماري لفترة زمنية مُعينة والنظر الى كيفية الحياة التي يعيشها في سنوات الدراسة هذا قد يكون خير دليل على صحة كلامي , لكن لا تقم بمراقبته في اخر الفصل الدراسي حين تدق نواقيس الخطر لتسليم مشروع التصميم الخاص به فهنا لن تستطيع فهم شيء , ففي تلك اللحظة ستكون المراقبة قاسية جداً عليك .



أتمنى أن أكون دائما عند حُسن ظنكم , اذا كان لديك أي اقتراح أو أي تعديل اترُكهُ بالتعليقات , وشُكراً .


** يُمنع استخدام المقالة دون ذكر المصدر .

كُتبت هذه المقالة بواسطة 
المهندس جهاد الخندق .

Comments

7 comments
Post a Comment
  1. ابدعت مهندس جهاد كالعاده ...
    مقال ب الصميم وانصفتنا ...

    ReplyDelete
    Replies
    1. العفو مُهندس اسماعيل , شكرا لمرورك الرائع , ما لدي هو قليل مما لديكم صديقي .

      Delete
  2. هههههه حلو كثير . بس قطعت قلبي

    ReplyDelete
    Replies
    1. هههه الأجمل هو مرورك مهندس محيي , مؤلمة لكنها حقائق ^_^ .

      Delete
  3. فعلا حقيقة ...خاصة للي مش موهوب كثير ولا سريع بالعمل ...انا بالنسبة الي كان معدلي يقبل طب اسنان ورحت معماري عن رغبة ....لكني مو موهوبة بالرسم ولا سرعه العمل فكان الموضوع بالنسبة الي عبارة عن ابتلاء وحزنت كثيرا لاني احب التفوق ولكن خلال سنوات الجامعه كان مستواي متوسط يعني ....الحمد لله الذي لا يحمد على مكروه سواه😔😔😔

    ReplyDelete
    Replies
    1. طيب انتي هلا بتشتغلي ولا شو

      Delete
  4. طيب اعطينا ابجابيات للناس اللي تبحث عن امل مثلا الدخل المادي كيف

    ReplyDelete

Post a Comment

Your Comment may be a nice memory.